فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} في قدرته ومخلوقاته.
قوله تعالى: {يُدَبّرُ الأمر منَ السماء إلَى الأرض} قال ابن عباس: يُنزل القضاءَ والقدر.
وقيل: ينزل الوحي مع جبريل.
وروى عمرو بن مرّة عن عبد الرحمن بن سابط قال: يدبّر أمر الدنيا أربعة: جبريل، وميكائيل، ومَلَك الموت، وإسرافيل؛ صلوات الله عليهم أجمعين.
فأما جبريل فموكّل بالرياح والجنود.
وأما ميكائيل فموكّل بالقطر والماء.
وأما مَلَك الموت فموكّل بقبض الأرواح.
وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم.
وقد قيل: إن العرش موضع التدبير؛ كما أن ما دون العرش موضع التفصيل؛ قال الله تعالى: {ثُمَّ استوى عَلَى العرش وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْري لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبّرُ الأمر يُفَصّلُ الآيات} [الرعد: 2].
وما دون السموات موضع التصريف؛ قال الله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ ليَذَّكَّرُوا} [الفرقان: 50].
قوله تعالى: {ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه} قال يحيى بن سلام: هو جبريل يصعَد إلى السماء بعد نزوله بالوحي.
النقاش: هو الملَك الذي يدبّر الأمر من السماء إلى الأرض.
وقيل: إنها أخبار أهل الأرض تصعَد إليه مع حملتها من الملائكة؛ قاله ابن شجرة.
{في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ}.
وقيل: {ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه} أي يرجع ذلك الأمر والتدبير إليه بعد انقضاء الدنيا {في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} وهو يوم القيامة.
وعلى الأقوال المتقدّمة فالكناية في {يَعْرُجُ} كناية عن الملَك، ولم يجر له ذكر لأنه مفهوم من المعنى، وقد جاء صريحًا في {سَأَلَ سَائلٌ} قوله: {تَعْرُجُ الملائكة والروح إلَيْه} [المعارج: 4].
والضمير في {إلَيْه} يعود على السماء على لغة من يذكّرها، أو على مكان الملك الذي يرجع إليه، أو على اسم الله تعالى؛ والمراد إلى الموضع الذي أقره فيه، وإذا رجعت إلى الله فقد رجعت إلى السماء، أي إلى سدرة المنتهى؛ فإنه إليها يرتفع ما يصعد به من الأرض ومنها ينزل ما يهبط به إليها؛ ثبت معنى ذلك في صحيح مسلم.
والهاء في {مقْدَارُهُ} راجعة إلى التدبير؛ والمعنى: كان مقدار ذلك التدبير ألفَ سنة من سني الدنيا؛ أي يقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد، ثم يلقيه إلى ملائكته، فإذا مضت قضى لألف سنة أخرى، ثم كذلك أبدًا؛ قاله مجاهد.
وقيل: الهاء للعروج.
وقيل: المعنى أنه يدبّر أمر الدنيا إلى أن تقوم الساعة، ثم يعرج إليه ذلك الأمر فيحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة.
وقيل: المعنى يدبر أمر الشمس في طلوعها وغروبها ورجوعها إلى موضعها من الطلوع، في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة.
وقال ابن عباس: المعنى كان مقداره لو ساره غير الملَك ألف سنة؛ لأن النزول خمسمائة والصعود خمسمائة.
وروي ذلك عن جماعة من المفسرين، وهو اختيار الطبريّ؛ ذكره المهدويّ.
وهو معنى القول الأول.
أي أن جبريل لسرعة سيره يقطع مسيرة ألف سنة في يوم من أيامكم؛ ذكره الزمخشريّ.
وذكر الماورديّ عن ابن عباس والضحاك أن الملَك يصعد في يوم مسيرة ألف سنة.
وعن قتادة أن الملَك ينزل ويصعد في يوم مقداره ألف سنة؛ فيكون مقدار نزوله خمسمائة سنة، ومقدار صعوده خمسمائة على قول قتادة والسديّ.
وعلى قول ابن عباس والضحاك: النزول ألف سنة، والصعود ألف سنة.
{مّمَّا تَعُدُّونَ} أي مما تحسبون من أيام الدنيا.
وهذا اليوم عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة من سني العالَم، وليس بيوم يستوعب نهارًا بين ليلتين؛ لأن ذلك ليس عند الله.
والعرب قد تعبّر عن مدّة العصر باليوم؛ كما قال الشاعر:
يومان يومُ مُقامات وأندية ** ويومُ سير إلى الأعداء تأويب

وليس يريد يومين مخصوصين، وإنما أراد أن زمانهم ينقسم شطرين، فعبّر عن كل واحد من الشطرين بيوم.
وقرأ ابن أبي عبلة: {يُعْرَجُ} على البناء للمفعول.
وقرىء: {يَعُدُّونَ} بالياء.
فأما قوله تعالى: {في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ خَمْسينَ أَلْفَ سَنَةٍ} فمشكل مع هذه الآية.
وقد سأل عبد الله بن فيروز الدّيلميّ عبد الله بن عباس عن هذه الآية وعن قوله: {في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ خَمْسينَ أَلْفَ سَنَةٍ} فقال: أيام سمّاها سبحانه، وما أدري ما هي؟ فأكره أن أقول فيها ما لا أعلم.
ثم سئل عنها سعيد بن المسيّب فقال: لا أدري.
فأخبرته بقول ابن عباس فقال ابن المسيّب للسائل: هذا ابن عباس اتّقى أن يقول فيها وهو أعلم مني.
ثم تكلم العلماء في ذلك فقيل: إن آية {سَأَلَ سَائلٌ} هو إشارة إلى يوم القيامة، بخلاف هذه الآية.
والمعنى: أن الله تعالى جعله في صعوبته على الكفار كخمسين ألف سنة؛ قاله ابن عباس.
والعرب تصف أيام المكروه بالطول وأيام السرور بالقصر.
قال:
ويوم كظل الرمح قصّر طولَه ** دَمُ الزّق عنّا واصطفاقُ المزاهر

وقيل: إن يوم القيامة فيه أيام؛ فمنه ما مقداره ألف سنة ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة.
وقيل: أوقات القيامة مختلفة، فيعذّب الكافر بجنس من العذاب ألف سنة، ثم ينتقل إلى جنس آخر مدّته خمسون ألف سنة.
وقيل: مواقف القيامة خمسون موقفًا، كلّ موقف ألف سنة.
فمعنى: {يَعْرُجُ إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} أي مقدار وقت، أو موقف من يوم القيامة.
وقال النحاس: اليوم في اللغة بمعنى الوقت؛ فالمعنى: تعرج الملائكة والروح إليه في وقت كان مقداره ألف سنة، وفي وقت آخر كان مقداره خمسين ألف سنة.
وعن وهب بن منبّه {في يَوْم كَانَ مقْدَارُهُ خَمْسينَ أَلْفَ سَنَةٍ} قال: ما بين أسفل الأرض إلى العرش.
وذكر الثعلبيّ عن مجاهد وقتادة والضحاك في قوله تعالى: {تَعْرُجُ الملائكة والروح إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ خَمْسينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] أراد من الأرض إلى سدرة المنتهى التي فيها جبريل، يقول تعالى: يسير جبريل والملائكة الذين معه من أهل مقامه مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا.
وقوله: {إلَيْه} يعني إلى المكان الذي أمرهم الله تعالى أن يعرجوا إليه.
وهذا كقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {إنّي ذَاهبٌ إلى رَبّي سَيَهْدين} [الصافات: 99] أراد أرض الشام.
وقال تعالى: {وَمَن يَخْرُجْ من بَيْته مُهَاجرًا إلَى الله} [النساء: 100] أي إلى المدينة.
وقال أبو هريرة قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أتاني ملَك من ربي عز وجل برسالة ثم رفع رجله فوضعها فوق السماء والأخرى على الأرض لم يرفعها بعد». اهـ.

.قال أبو السعود:

{الله الذي خَلَقَ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا في ستَّة أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش}.
مرّ بيانُه فيما سلفَ {مَا لَكُمْ مّن دُونه من وَليّ وَلاَ شَفيعٍ} أي ما لكُم إذا جاوزتُم رضاه تعالى أحدٌ ينصُركم ويشفعُ لكم ويجيركم من بأسه أي ما لكُم سواه وليٌّ ولا شفيعٌ بل هو الذي يتولَّى مصالحَكم وينصُركم في مواطن النَّصر على أنَّ الشَّفيعَ عبارةٌ عن النَّاصر مجازًا فإذا خذلكم لم يبقَ لكُم وليٌّ ولا نصير {أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} أي ألا تسمعُون هذه المواعظَ فلا تتذكرون بها أو أتسمعونها فلا تتذكرون بها فالإنكارُ على الأول متوجه إلى عدم السَّماع وعدم التَّذكر معًا وعلى الثاني على عدم التَّذكر مع تحقق مايُوجبه من السَّماع {يُدَبّرُ الأمر منَ السماء إلَى الأرض} قيل يدبّرُ أمر الدُّنيا بأسبابٍ سماويةٍ من الملائكة وغيرها نازلةٍ آثارُها وأحكامُها إلى الأرض {ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه} أي يثبت في علمه موجودًا بالفعل {فى يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} أي في بُرهةٍ من الزَّمان متطاولةٍ والمرادُ بيانُ طول امتداد ما بين تدبير الحوادث وحدوثها من الزَّمان وقيل: يدبر أمرَ الحوادث اليوميَّة بإثباتها في اللَّوح المحفوظ فينزل بها الملائكةُ ثم تعرجُ إليه في زمانٍ هو كألف سنة مَّما تعدُّون فإنَّ ما بين السَّماء والأرض مسيرةُ خمسمائة عامٍ وقيل: يقضي قضاءَ ألف سنةٍ فينزل به المَلَكُ ثم يعرج بعد الألف لألفٍ أُخرَ، وقيل يدبر أمرَ الدُّنيا جميعًا إلى قيام السَّاعة ثم يعرج إليه الأمرُ كلُّه عند قيامها وقيل يدبّرُ المأمور به من الطَّاعات منزلًا من السَّماء إلى الأرض بالوحي ثم لا يعرجُ إليه خالصًا إلا في مدَّةٍ متطاولة لقلَّة المخلصين والأعمال الخلَّص. وأنت خبيرٌ بأنَّ قلَّةَ الأعمال الخالصة لا تقتضي بطءَ عروجها إلى السَّماء بل قلَّتَه. وقُرىء يعدُّون بالياء. اهـ.

.قال الألوسي:

{الله الذي خَلَقَ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا في ستَّة أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش}.
مر بيانه فيما سلف على مذهبي السلف والخلف {مَا لَكُمْ مّن دُونه من وَلىٌّ وَلاَ شَفيعٌ} أي ما لكم مجاوزين الله عز وجل أي رضاه سبحانه وطاعته تعالى ولي ولا شفيع أي لا ينفعكم هذان من الخلق عنده سبحانه دون رضاه جل جلاله فمن دونه حال من مجرور {لَكُمْ} والعامل الجار أو متعلقه، وعلى هذا المعنى لا دليل في الخطاب على أنه تعالى شفيع دون غيره ليقال: كيف ذاك وتعالى جل شأنه أن يكون شفيعًا، وكفى في ذلك رده صلى الله عليه وسلم على الأعرابي حيث قال: إنا نستشفع بالله تعالى إليك، وقد يقال: الممتنع إطلاق الشفيع عليه تعالى بمعناه الحقيقي وأما إطلاقه عليه سبحانه بمعنى الناصر مجازًا فليس بممتنع، ويجوز أن يعتبر ذلك هنا وحينئذٍ يجوز أن يكون {من دُونه} حالًا مما بعد قدم عليه لأنه نكرة ودون بمعنى غير، والمعنى ما لكم ولي ولا ناصر غير الله تعالى، ويجوز أن يكون حالًا من المجرور كما في الوجه السابق، والمعنى ما لكم إذا جاوزتم ولايته ونصرته جل وعلا ولي ولا ناصر، ويظهر لي أن التعبير بالشفيع هنا من قبيل المشاكلة التقديرية لما أن المشركين المنذرين كثيرًا ما كانوا يقولون في آلهتهم {هؤلاء شفعاؤنا} [يونس: 18] ويزعمون أن كل واحد منها شفيع لهم {أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} أي ألا تسمعون هذه المواعظ فلا تتذكرون بها أو أتسمعونها فلا تتذكرون بها، فالإنكار على الأول: متوجه إلى عدم السماع وعدم التذكر معًا، وعلى الثاني: إلى عدم التذكر مع تحقق ما يوجبه من السماع.
{يُدَبّرُ الأمر} قيل: أي أمر الدنيا وشؤونها، وأصل التدبير النظر في دابر الأمر والتفكر فيه ليجىء محمود العاقبة وهو في حقه عز وجل مجاز عن إرادة الشيء على وجه الإتقان ومراعاة الحكمة والفعل مضمن معنى الإنزال والجاران في قوله تعالى: {منَ السماء إلَى الأرض} متعلقان به ومن ابتدائية وإلى انتهائية أي يريده تعالى على وجه الإتقان ومراعاة الحكمة منزلًا له من السماء إلى الأرض، وإنزاله من السماء باعتبار أسبابه فإن أسبابه سماوية من الملائكة عليهم السلام وغيرهم {ثُمَّ يَعْرُجُ} أي يصعد ويرتفع ذلك الأمر بعد تدبيره {إلَيْه} عز وجل وهذا العروج مجاز عن ثبوته في علمه تعالى أي تعلق علمه سبحانه به تعلقًا تنجيزيًا بأن يعلمه جل وعلا موجودًا بالفعل أو عن كتابته في صحف الملائكة عليهم السلام القائمين بأمره عز وجل موجودًا كذلك {فى يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} أي في برهة متطاولة من الزمان فليس المراد حقيقة العدد، وعبر عن المدة المتطاولة بالألف لأنها منتهى المراتب وأقصى الغايات وليس مرتبة فوقها إلا ما يتفرع منها من أعداد مراتبها، والفعلان متنازعان في الجار والمجرور وقد أعمل الثاني منهما فيه فتفيد الآية طول امتداد الزمان بين تعلق إرادته سبحانه بوجود الحوادث في أوقاتها متقنة مراعي فيها الحكمة وبين وجودها كذلك، وظاهرها يقتضي أن وجودها لا يتوقف على تعلق الإرادة مرة أخرى بل يكفي فيه التعلق السابق وقيل: {فى يَوْمٍ} متعلق بيعرج وليس الفعلان متنازعين فيه، والمراد بعروج الأمر إليه بعد تدبيره سبحانه إياه وصول خبر وجوده بالفعل كما دبر جل وعلا بواسطة الملك وعرضه ذلك في حضرة قد أعدها سبحانه للاختبار بما هو جل جلاله أعلم به إظهارًا لكمال عظمته تبارك وتعالى وعظيم سلطنته جلت سلطنته؛ وهذا كعرض الملائكة عليهم السلام أعمال العباد الوارد في الأخبار، وألف سنة على حقيقتها وهي مسافة ما بين الأرض ومحدب السماء الدنيا بالسير المعهود للبشر فإن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام وثخن السماء كذلك كما جاء في الأخبار الصحيحة والملك يقطع ذلك في زمان يسير فالكلام على التشبيه فكأنه قيل: يريد تعالى الأمر متقنًا مراعي فيه الحكمة بأسباب سماوية نازلة آثارها وأحكامها إلى الأرض فيكون كما أراد سبحانه فيعرج ذلك الأمر مع الملك ويرتفع خبره إلى حضرته سبحانه في زمان هو كألف سنة مما تعدون، وقيل: العروج إليه تعالى صعود خبر الأمر مع الملك إليه عز وجل كما هو مروى عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وعكرمة والضحاك والفعلان متنازعان في {يَوْمٍ} والمراد أنه زمان تدبير الأمر لو دبره البشر وزمان العروج لو كان منهم أيضًا وإلا فزمان التدبير والعروج يسير، وقيل: المعنى يدبر أمر الدنيا بإظهاره في اللوح المحفوظ فينزل الملك الموكل به من السماء إلى الأرض ثم يرجع الملك أو الأمر مع الملك إليه تعالى في زمان هو نظرًا للنزول والعروج كألف سنة مما تعدون، وأريد به مقدار ما بين الأرض ومقعر سماء الدنيا ذهابًا وإيابًا، والظاهر أن {يُدَبّرُ} عليه مضمن معنى الإنزال، والجاران متعلقان به لا بفعل محذوف أي فينزل به الملك من السماء إلى الأرض كما قيل، وزعم بعضهم أن ضمير {إلَيْه} للسماء وهي قد تذكر كما في قوله تعالى: {السَّمَاء مُنفَطرٌ به} [المزمل: 18] وقيل: المعنى يدبر سبحان أمر الدنيا كلها من السماء إلى الأرض لكل يوم من أيام الرب جل شأنه وهو ألف سنة كما قال سبحانه: {وَإنَّ يَوْمًا عندَ رَبّكَ كَأَلْف سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47] ثم يصير إليه تعالى ويثبت عنده عز وجل ويكتب في صحف ملائكته جل وعلا كل وقت من أوقات هذه المدة ما يرتفع من ذلك الأمر ويدخل تحت الوجود إلى أن تبلغ المدة آخرها ثم يدبر أيضًا ليوم آخر وهلم جرا إلى أن تقوم الساعة، ويشير إلى هذا ما روى عن مجاهد قال: إنه تعالى يدبر ويلقى إلى الملائكة أمور ألف سنة من سنيننا وهو اليوم عنده تعالى فإذا فرغت ألقى إليهم مثلها، وعليه الأمر بمعنى الشأن والجاران متعلقان به أو بمحذوف حال منه ولا تضمين في {يُدَبّرُ} والعروج إليه تعالى مجاز عن ثبوته وكتبه في صحف الملائكة و{أَلْفَ سَنَةٍ} على ظاهره و{فى يَوْمٍ} يتعلق بالفعلين واعمل الثاني كأنه قيل: يدبر الأمر ليوم مقداره كذا ثم يعرج إليه تعالى فيه كما تقول: قصدت ونظرت في الكتاب أي قصدت إلى الكتاب ونظرت فيه ولا يمنع اختلاف الصلتين من التنازع وتكرار التدبير إلى يوم القيامة يدل عليه العدول إلى المضارع مع أن الأمر ماض كأنه قيل: يجدد هذا الأمر مستمرًا؛ وقيل: المعنى يدبر أمر الدنيا من السماء إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة ثم يعرج إليه تعالى ذلك الأمر كله أي يصير إليه سبحانه ليحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة وهو يوم القيامة وعليه الأمر بمعنى الشأن والجاران متعلقان به أو بمحذوف حال منه كما في سابقه والعروج إليه تعالى الصيرورة إليه سبحانه لا ليثبت في صحف الملائكة بل ليحكم جل وعلا فيه.